الاعتقاد السائد ..

 | 28 فبراير, 2019 09:32

لا تكمن المشكلة حالياً في الأسواق العالمية في غياب المعلومة , بل الحقيقة تكمن في وجود الكثير من المعلومات والقدرة على الوصول اليها . هذا الوضع يطرح دائماً أسئلةً كبيرة عن مصداقية هذه المعلومات , ومصادرها التي في كثير من الأحيان تكون مسيّسة ومعلوماتها لصالح اتجاه معين دون موضوعية.

مناسبة هذا الكلام أن التراجع الذي قد يحصل في أي اقتصاد في العالم لن يكون عمليةً مفاجئة تحدث خلال يوم واحد , بل هي سلسلة مستمرة قد تستمر لسنوات حتى يصل بعدها الاقتصاد الى مرحلة الانكماش أو التراجع الحقيقي. لابد لأسعار المستهلكين أن تكون في مرحلة السالب لثلاثة أشهر على الأقل حتى يقال أنه ركود اقتصادي , بينما ثلاثة أشهر من التراجع المستمر تشير أن الاقتصاد في هذا القطاع أو ذاك قد دخل مرحلة من التباطؤ التي قد تكون أصعب من الركود لأنها مستمرة أكثر. ينطبق هذا التوصيف على الاقتصاد الأمريكي الذي مازال الى الآن يؤدي أداءً اكثر من جيد وخاصةً في سوق العمل .

احصل على التطبيق
انضم إلى ملايين المستخدمين الذين يحصلون على أحدث أنباء الأسواق بأقصى سرعة على Investing.com
حمل الآن

نعتقد أن الأسواق تبالغ في قراءتها اتجاه الركود المحتمل ليس لأنه لن يحدث , بل على العكس لأنه من الطبيعي أن يحدث تراجع بعد سنوات من النمو الجيد وارتفاع مستويات الأجور والزخم في سوق العمل الأمريكي ووصول مؤشرات الأسهم الى مستويات تاريخية. لا نعتقد أـن العام الجاري 2019 سيشهد ركوداً أمريكياً , ليس قبل نهاية العام على اقل تقدير بل حتى العام القادم آخذين بعين الاعتبار بقاء السياسة النقدية متكيفة , وسوق عمل أمريكي ممتاز , وغياب البديل الحالي للابتعاد عن الاستثمار في أمريكا.

سيكون مؤشر الدولار الأمريكي المتراجع تدريجياً سيناريو مهم للمرحلة القادمة كما أنه هدف غير معلن للفيدرالي الأمريكي والبيت الأبيض. الدولار الضعيف مع بقاء أسعار الطاقة مستقرة دون تراجع سترفع التضخم تدريجياً وهذا سيكون مشكلة حقيقية للفيدرالي اذا لم يكن مترافقاً بنمو للناتج المحلي , عندها سيكون الفيدرالي الأمريكي في موقف معقد للغاية , ما بين المخاطرة برفع الفائدة وتأثيرها السلبي , وبين عدم رفعها والمغامرة بترك التضخم الاستهلاكي يرتفع تدريجياً وما له من تأثير سلبي للقدرة الشرائية والاستهلاك الأمريكي , هذه المشكلة الحقيقة . عندما يطالب ترامب بأن تكون أسعار النفط متراجعة , يعرف تماماً أن تأثيرها إيجابي للمستهلك الأمريكي وقدرته الشرائية وبالتالي بردة فعل الجمهور الأمريكي اتجاه سياساته , بمعنى آخر سيكون ايجابياً لمستقبله السياسي. ولكن من جهة أخرى , لا يركز ربما على تبعاتها لأن النمو الضعيف لاحقاً وارتفاع التضخم سيكون لها تأثير سلبي .

المخطط البياني يبين التوافق بين عوائد السندات الأمريكية لعشر سنوات وبين مستوى التضخم الأمريكي خلال عشر سنوات , مزيد من التراجع في أسعار المستهلكين سيؤدي تدريجياً الى عوائد أمريكية أضعف . عوائد السندات الأمريكية لعشر سنوات عند 2.67% حالياً وباعتقادنا أن مزيداً من التراجع سيكون متوقعاً بقوة خلال العام الجاري , وبالتالي فان تراجع عوائد السندات الأمريكية سيكون في صالح قوة العملات الرئيسية الأخرى مقابل الدولار الأمريكي تدريجياً .