مع بداية التداولات يوم الاثنين ارتفع الذهب وبقوة، عكس ما كنت أتوقع في تحليلي الأخير. و ارتفعت الاسعار في السوق الآجلة في الولايات المتحدة بنسبة 5,6% وهي أكبر مكاسب في يوم واحد للمعدن الأصفر على الإطلاق منذ سنة 1984.
هذه الارتفاعات جاءت لسببين رئيسيين، الأول هو إعلان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن برنامج تيسير كمي غير محدود من أجل شراء الأصول والسندات على كل المستويات، بهدف توفير السيولة والقروض للشركات الصغيرة والمتوسطة وأيضا للأسر.
و لم يسبق أن اتخذ الاحتياطي الفيدرالي إجراءات تيسير كمي مفتوحة و بدون حد حتى في عزّ الأزمة المالية العالمية عام 2008. هذا دون أن ننسى حزمة الدعم الحكومي الأمريكية التي تصل إلى 2 ترليون دولار ، و الموجودة الآن في الكونغرس من أجل المصادقة عليها.
السبب الثاني هو الارتفاع الكبير في الطلب على السبائك والعملات الذهبية، وإعلان ثلاثة من أكبر شركات التنقيب على الذهب في العالم تعليق أعمالها إلى غاية الشهر المقبل.
كما أن تراجع الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية أعطى بعض الدعم الإضافي.
وجاءت هذه الارتفاعات بعد أن شهد الذهب تراجعات قوية على مدار أسبوعين، بسبب بحث المستثمرين عن السيولة من أجل تغطية خسائر سوق الأسهم، وارتفاع الطلب على الدولار الأمريكي كملاذ آمن وحيد. ولكن يبدو أن الفيدرالي قد فتح الصنبور بتسيير كمي مفتوح.
برنامج التيسير الكمي من الاحتياطي الفيدرالي:
حركة المعدن الأصفر جاءت بعد قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي يوم الاثنين عن ميزانية لشراء عدد غير محدود من سندات الخزانة والأوراق المالية المرتبطة بالرهون العقارية السكنية والتجارية لدرء أزمة ائتمان.
وهي عملية تسمى "التيسير الكمي" والهدف منها هو ضخ السيولة في النظام المالي من أجل دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة وكذلك الأسر التي من المتوقع أن تعاني بشدة من حالة الإغلاق والتوقف التي يشهدها الاقتصادي الأمريكي حاليا.
هذه الإجراءات جديدة تسمح لعدد كبير من الشركات بالحصول على تمويلات جديدة لتتمكن من تخطي "الاضطرابات" الاقتصادية "الخطيرة" الناجمة عن تفشي فيروس كورونا المستجد.
وأكد الاحتياطي الفدرالي أنه سيفعل ما أمكن لمساعدة الأسواق على مواصلة العمل، وأطلق برنامجا جديدا بقيمة 300 مليار دولار من المساعدات "لدعم تدفق القروض للموظفين والمستهلكين والشركات".
وتعهد الاحتياطي الفدرالي "بإعداد برنامج قروض للشركات الصغرى والمتوسطة" التي تشكل المكون الرئيسي للاقتصاد الأميركي.
وذكر الاحتياطي الفدرالي في بيان أنه "في ظل الحالة القائمة من عدم اليقين، بات من المؤكد أن اقتصادنا سيواجه اضطرابات خطيرة".
ولذلك "يجب القيام بجهود كبيرة لدعم القطاعين العام والخاص وللحد من خسارة الوظائف والمداخيل وإتاحة انتعاش سريع فور انخفاض الاضطرابات"، وفق البيان.
نقطة انعطاف أسعار الذهب:
الاحتياطي الفيدرالي ليس وحده من ضخ السيولة في السوق، فالكثير من البنوك المركزية العالمية تفعل نفس الأمر، ومع وجود كل هذه الأموال المتداولة فإن الكثير من المحللين يرون ذلك في صالح المعدن الأصفر، وأنه قد بدأ في استرجاع مكانته كعملة عالمية بعد الاستيقاظ من الصدمة التي دامت أسبوعين.
لكن هذه التسهيلات المالية، وبرامج الدعم الحكومي لن تكون بالمجان وسوف تمثل ضغوطا كبيرة على الدول بعد مرور هذه الأزمة، وهذه النقطة بذات التي يركز عليها المستثمرون على المدى المتوسط والطويل.
فقد قال بنك غولدمان ساكس في تقرير لوكالة بلومبرغ أن تحرك بنك الاحتياطي الفدرالي سيساعد في تخفيف ضغوط التمويل التي أدت إلى انخفاض الذهب، وسوف يتحول تركيز المستثمرون الآن على توسع ميزانية البنك الاحتياطي تمامًا كما فعلوا في عام 2008.
غولدمان أشار أيضا إلى زيادة العجز في الاقتصادات المتقدمة، فضلا عن مشاكل حول تماسك للاتحاد النقدي الأوروبي.
كتب محللو البنك في مذكرة يوم 23 مارس آذار: "نعتقد أن هذا من المحتمل أن يؤدي إلى مخاوف تتعلق بحجم السيولة الكبير مماثلة لفترة ما بعد الأزمة المالية العالمية "وبناءً على ذلك، فإننا على الأرجح في نقطة انعطاف حيث ستبدأ القوة الشرائية المدفوعة بالخوف في السيطرة على ضغوط البيع المدفوعة بنقص السيولة، كما حدث في نوفمبر تشرين الثاني 2008".
البنك يشير هنا إلى مخاوف المستثمرين من الآثار السلبية لضخ السيولة بكميات كبيرة في السوق، وكذلك ارتفاع الدين العام والعجز الحكومي الأمريكي وفي الاقتصادات العالمية الكبرى.
وتوقع البنك أن يصل سعر الذهب إلى 1800 دولار وهو اعلى مستوى له على الإطلاق كما حدث عام 2011.
سبائك الذهب تدعم أسعار الذهب:
في الأيام الماضية عندما كان الذهب في بورصة السلع الآجلة يتهاوى، كان الطلب على السبائك الذهبية في ازدياد مضطرد حسب تقارير قرأتها في مواقع متخصصة لتداول السبائك الذهبية، ومع إعلان غلق ثلاث من أكبر مناجم الذهب في العالم أعطى دعما كبيرا لأسعار الذهب للارتفاع.
قبل أن أكمل الحديث عن هذه النقطة أريد فقط توضيح بعض المفاهيم في طرق الاستثمار في الذهب لمن هم مبتدئين في السوق حتى يتمكنوا من استيعاب الفكرة وماذا حدث لأسعار الذهب من هبوط وصعود في الفترة الاخيرة.
طرق الاستثمار في الذهب:
بشكل عام، أمام المستثمرين الذين يتطلعون إلى الاستثمار في الذهب ثلاث خيارات رئيسية:
- شراء الأصل المادي: عادة يمكن شراء الذهب على شكل سبائك BULLION أو عملات نقدية أو ببساطة على شكل مجوهرات، والسبائك الذهبية توجد بعدة اوزان بداية من 1 كغ حتى 12,4 كغ.
هناك شركات متخصصة في بيع وشراء السبائك، ويمكن التعامل معها عبر الانترنت، وعندما تشتري عليها الذهب تقوم الشركة اما بتوصيله لك أو تخزينه لديها في مواقع مخصصة تكون محمية ومحصنة.
وهناك الكثير من الشركات التي تقدم هذه الخدمة مثل شركة bullion vault وbullion rock وغيرها كثير.
- صناديق الاستثمار المتداولة ETF: وهي صناديق يرتبط أدائها بأسعار الذهب أو شركات التنقيب وصياغة الذهب. مثل صندوق SPDR Gold Trust الذي يعتبر أكبر صندوق ذهب متداول في العالم
- عقود الخيارات options contracts والعقود الآجلة futuresفي بورصة السلع / مثل بورصة شيكاغو CME، وهذه الاخيرة خاصة فقط بكبار المستثمرين.
في الاستثمار الأول أنت تمتلك العين المادي للذهب، على عكس النوعين الأخيرين.
أنا لم أدرج العقود مقابل الفروقات CFDs التي توفرها مختلف شركات الوساطة، اولا لأنها لا تؤثر على سعر الذهب فهي لا تتم في السوق الحقيقي، وثانيا أغلب المتعاملين بهذا النوع من المشتقات المالية مضاربين وليس مستثمرين.
المهم، بعد توضيح هذه النقط نعود إلى موضوعنا.
قلت، أن الذهب في الأسبوعين الماضيين انخفض بعد بيع المستثمرين بعض أصولهم في صناديق الاستثمار المتداولة ETFs، وفي بورصة السلع والعقود الآجلة والخيارات.
لكن حتى في تلك الفترة ظل الطلب على السبائك الذهبية مرتفعا.
وما زاد من دعم الذهب هو إعلان العديد أكبر الشركات التنقيب عن الذهب، توقيف أعمالها الإنتاجية في مناطق مختلفة من العالم بسبب فيروس كورونا.
تعليق انتاج الذهب:
يوم الإثنين قالت وكالة رويترز أن ثلاث من أكبر شركات التنقيب على الذهب في العالم إنها علقت الإنتاج في سويسرا لمدة أسبوع على الأقل بعد أن أمرت السلطات المحلية بإغلاق الصناعات الغير الضرورية للحد من انتشار الفيروس.
سويسرا هي مركز عالمي لتكرير المعادن الثمينة. وتعالج المناجم الثلاث مجتمعا حوالي 1500 طن من الذهب سنويًا أي حوالي ثلث إجمالي الإمدادات السنوية العالمية، بالإضافة إلى معادن (SE:1211) ثمينة أخرى مثل الفضة.
كما أعلنت الكثير من شركات الذهب تذبذبات كبيرة في الإنتاج، مثل شركة Newmont وOsasco Gold Royalties.
وايضا شركة بان أمريكان سيلفر كورب التي علقت الأسبوع الماضي مؤقتًا عملياتها في أربعة مناجم في بيرو، وقلصت عملياتها في الأرجنتين وبوليفيا أيضًا نتيجة لوباء COVID-19.
عاصفة سبائك الذهب:
يرى بعض الخبراء في صناعة الذهب أن السوق قد يشهد عاصفة في ارتفاع الأسعار في الأشهر المقبلة مع انهيار سلسلة توريد سبائك الذهب العينية. ستكون هناك صعوبات في الحصول على إمدادات جديدة في سوق يرتفع فيها الطلب بشدة.
الطلب على السبائك يرتفع منذ أسابيع عديدة والمناجم تغلق أبوابها، انها ظروف مثالية للانطلاق الأسعار نحو الاعلى.
جاء في تقرير على موقع فايننشال تايمز أن تجار الذهب يعانون من شح في مخزونات والمدادة السبائك الذهبية مع ارتفاع الطلب عليها بشدة خلال الأسبوعين الماضيين. وشبه أحدهم الوضع بما تعرفه محلات ومراكز التسوق من تسابق على الورق الصحي والمواد الاستهلاكية الأساسية.
وحسب الصحيفة فقد تدافع المستثمرون في أوروبا والولايات المتحدة على شراء سبائك وعملات معدنية ذهبية وفضية خلال الأسبوعين الماضيين في محاولة لحماية أموالهم من انهيار أسعار الأسهم العالمية والعديد من العملات مقابل الدولار.
وأعرب تجار الذهب عن عجزهم عن تلبية الطلبات وتأخيرات تصل إلى 15 يومًا على الشحنات.
قال ماركوس كرأل، الرئيس التنفيذي لشركة التجزئة الألمانية للمعادن الثمينة Degussa، إنه يكافح من أجل تلبية شهية العملاء لسبائك الذهب والعملات المعدنية وعليه أن يلجأ إلى أسواق الجملة.
وقال إن الطلب ارتفع بما يصل إلى خمسة أضعاف الكمية اليومية العادية. نحن نحاول العثور على مصادر جديدة، ولكن التدابير التي تتخذها السلطات لوقف الفيروس تقف عائقا في الطريق. وأضاف كرأل: "هذا أمر لا يمكن التنبؤ به".
وقال روب هاليداي شتاين، مؤسس ومدير شركة BullionbyPost ومقرها برمنغهام، إن الوضع لم يسبق له مثيل. "في الأساس، نحن نبيع بمجرد أن نحصل على مخزون في الموقع في خزائن آمنة ".
وقالت شركة JM Bullion، وهي شركة تجزئة أخرى للمعادن الثمينة في الولايات المتحدة، إن طلبات العملاء تتأخر لمدة 15 يومًا، وتقدم الحد الأدنى لحجم الطلب.
قال رونان ما نلي من شركة Bullion Star، وهي شركة تجزئة لبيع المعادن الثمينة ومقرها سنغافورة، قالت إنها تدفع علاوة لإعادة شراء العملات الفضية والذهبية من العملاء في محاولة لدعم الإمدادات. وقال: "هناك انفصال بين الأسعار في سوق الذهب الفعلي والأسعار التي تراها على شاشتك".
وقال مارك أوبرين، مدير الأبحاث فيGoldCore في تصريح لموقع MarketWatch أن مشكل الإمدادات المتعلق السبائك الذهبية والفضية وهي "ظاهرة عالمية مع التجار في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا وآسيا".
وقال خوان كارلوس أرت يجاس، مدير أبحاث الاستثمار في مجلس الذهب العالمي، إن الصورة الكاملة لـ "ديناميكيات الطلب والعرض" على الذهب لن تظهر لشهر آخر. في الوقت الحالي، يتأثر الذهب، مثل معظم فئات الأصول، "بحالة السوق الاقتصادية والمالية غير المسبوقة في جميع أنحاء العالم."
ويتوقع أرتيجاس أن:" مستويات المخاطر العالية في الأسواق المالية، إلى جانب معدلات الفائدة الحقيقية السلبية الواسعة النطاق والتسهيل الكمي، ستدعم الطلب على الاستثمار في الذهب كملاذ آمن".
المستثمر المخضرم مارك موبيوس وهو مدير صندوق تحوط كبير. قال في تصريح لـ بلومبرغ أن موجة البيع الأخيرة للذهب مع الأصول الخطرة مثل الأسهم والنفط كان علامة على الذعر الخالص، حيث باع المستثمرون كل شيء مع انتشار الوباء.
قال: "أعتقد أن هذا خطأ، يجب أن يكون لدى الناس الذهب وقد يكون هذا هو الوقت المناسب لزيادة حيازات الذهب - في الحقيقة أعتقد أنني سوف أقوم بذلك".
ماذا الآن؟ هل أشتري الذهب؟
الإجابة عن هذا السؤال نسبية.
فكما رأينا فإن أغلب المحللين والخبراء يتوقعون ارتفاع الذهب على المدى المتوسط والبعيد كما حدث بعد الأزمة العالمية عام 2008، ولكن في تلك الفترة الأمر استغرق 33 أسبوع بين بداية الانهيار ونقطة التحول، تخللتها ثلاث موجات هبوط.
لذلك ورغم الارتفاعات الاخيرة فإن ارتفاع الذهب إلى 1800 ربما لن يحدث بسرعة كبيرة. مع الأخذ في الاعتبار أن الأوضاع الحالية أصعب من الأزمة المالية.
السؤال ليس إذا كان الذهب سوف يرتفع ام لا، السؤال عند الكثير من المحللين هو متى؟
فإذا كنت مستثمر ذا رأس مال كبير، ويمكنك شراء سبيكة ذهب أو أكثر والتي تبلغ قيمتها 54 ألف دولار بسعر السوق الحالي، دون الحاجة إلى قرض، واسلوب حياتك لن يتأثر حتى لو انتظرت لشهور عديدة أو سنوات. فالكثيرون هم الذي ينصحون بالشراء.
أما إذا كنت متداول يومي وكان لديك حساب تداول فيه 1000 دولار مع شركة فوركس، فإن هذا النوع من الرهانات الطويلة الأمد ليست لك.
بل أنى أكاد أجزم أن حساب مثل هذا لن يتحمل حتى حركة السعر الأخيرة، أين ارتفع أكثر من 130دولار.
ولكن الطريقة الأنسب لتداول والمضاربة على حساب صغير هي محاولة تحديد الاتجاه على المدى القصير بتتبع الاخبار والتحليل الفني ثم اقتناص الفرص، مع ادارة مخاطر متشددة، خاصة في ظل الأوضاع الحالية والتذبذب الشديد في السعر.
لنضرب مثال، في تحليلي الأخير قلت إن الاتجاه العام هابط ويجب البحث عن فرص للبيع، على خلفية أخبار الأسبوع الماضي والإغلاق اليومي تحت خط الاتجاه الصاعد.
لكن مع افتتاح السوق الأوروبي وردت أخبار غلق المناجم، ثم قرار الفيدرالي فتغير اتجاه السوق 180درجة، وبدأ السعر في الصعود.
ماذا تعتقد سوف يحدث للحساب لو لم أضع أمر وقف الخسارة، لذلك اعيد واكرر إدارة مخاطر قوية هي الطريقة الوحيدة التي تحفظ لك أموالك ولا شيء غير ذلك لا التحليلات القوية ولا آراء الخبراء.
الشيء الأكيد، أن الوضع الحالي خطير ولم يسبق أن واجهت البشرية مشكل من هذا النوع والحجم. الأسواق المالية ومعها الذهب تتقلب صعودا وهبوطا بحدة شديدة والاتجاه يمكن أن يتغير في أي لحظة.
الفيروس استطاع شل أوروبا، وفي الولايات المتحدة الكثيرون هم الذين يعتقدون أن الأسوأ قادم وعندها يمكن توقع أي شيء سواء في الذهب أو الأسواق الاخرى.
نحن لم نصل بعد إلى القاع في مواجهة الفيروس وآثاره السلبية لذلك يجب الحذر.
في الأخير أعتذر على طول المقال، لقد أردت أن انشره في جزئين ولكن فضلت أن تبقى الافكار مترابطة بين الأخبار والتحليل والمفاهيم المدرجة حتى تتضح الصورة، وأتمنى أن اقرأ رأيكم في هذه النقطة.
في انتظار آرائكم وتعليقاتكم
بالتوفيق للجميع.