الدببة في مواجهة وزير النفط السعودي: الخوف هو كلمة السر

 | 18 سبتمبر, 2020 17:33

في فترة حكمه التي استمرت 20 عاما كوزير للبترول في المملكة العربية السعودية، قد يكون علي النعيمي قد أسس المعيار الذهبي لأصحاب القرار بشأن سياسات النفط في المملكة، بل في العالم.

وولد النعيمي لغواص لؤلؤ، وقضى سنواته الأولى في تربية الأغنام، قبل أن يذهب في النهاية إلى جامعة ستانفورد لدراسة الجيولوجيا، كما التحق بجامعتي هارفارد وكولومبيا. وفي الوقت الذي كان فيه النعيمي "الرئيس الفعلي" لمنظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، تصدر الوزير الاجتماعي عناوين الأخبار في عالم النفط، بسبب ما فعله، وما لم يفعله.

وحتى في خضم انهيار أسعار النفط الخام عام 2014 بسبب طفرة التكسير الهيدروليكي في الولايات المتحدة، احترم المتداولون النعيمي، بل كانوا يخشونه. كانوا يعلمون أنه يمتلك مقاليد حكم قطاع النفط في الدول التي تُعتبر أكثر منتجي النفط نفوذاً في جميع أنحاء العالم. أعاد النعيمي الاحترام من خلال عدم التنازع مطلقاً مع السوق، باعتباره القاضي الذي يحكم على السعر، في ما يختلف تماماً عما قاله زكي يماني، وزير النفط السعودي الذي بقي في منصبه من الستينيات إلى منتصف الثمانينيات، والذي أعلن بفخر ذات مرة قائلاً: "نحن سادة سلعتنا."

وكان خالد الفالح، خليفة النعيمي الذي إستلم زمام الأمور في عام 2016، شخصية أكثر تحفظاً بكثير، ولم يقضي في هذا المنصب إلا 3 سنوات فقط، وهذا أقل بكثير من معظم أسلافه. كان الفالح، رغم أن فترة حكمه تعثرت بسبب تهديد النفط المستخرج من الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، هو المسؤول عن أهم شراكة نفطية سعودية في هذا العصر: الشراكة مع روسيا.

كان الهدف من هذه الشراكة أصلأً هو تأسيس مجموعة (أوبك+)، تحالف النفط المكون من 23 دولة، منهم 13 دولة هي أصلاً أعضاء في (أوبك). كان الفالح مختلفاً إلى حد ما، ولم يؤمن أبداً بتحدي السوق كلامياً، وبدلاً من ذلك استخدم البيانات الداعمة عند الضرورة لإثبات رايه.

الأمير عبد العزيز بن سلمان، هو الابن الرابع للملك السعودي، ورجل نفط محترف أمضى ثلاثة عقود في تسلق مراتب وزارة الطاقة في المملكة قبل أن يتولى المنصب الأعلى من الفالح في عام 2019. ولا يُعرف عن AbS، كما يُشار إليه، أنه يتمتع بالدبلوماسية الهادئة تماماً.

ففي حديثه إلى وسائل الإعلام عبر رابط فيديو بعد أن ترأس اجتماع مجموعة (أوبك+) يوم أمس، هدد AbS بجعل الحياة "جحيماً" لدببة النفط الذين راهنوا ضد المجموعة.

وبالكاد أخفى الوزير ازدرائه لأولئك الذين دفعوا أسعار النفط إلى الأسفل بنسبة 13٪ خلال الأسبوعين الماضيين، وبدا AbS أكثر حرصاً على إثارة خوف البائعين بدلاً من معالجة مخاوفهم بشأن سقوط الطلب على النفط بسبب الكورونا.

وعندما سئل عن خطوات أوبك التالية قال:

"أي شخص يعتقد أنه سيحصل على كلمة مني بشأن ما سنفعله بعد ذلك، يعيش في عالم الأحلام. سأجعل هذا السوق متقلباً. وسأحرص على أن كل من يقامر في هذا السوق سيتألم كثيراً."

وقال الوزير أن المنظمة ستتخذ موقفاً استباقياً في مواجهة تحديات سوق النفط، مما يعزز استراتيجيته التي تُفضل المفاجأة بدلاً من إعلام الأسواق.

وضمن محاولته لإخافة المضاربين، تحداهم AbS قائلاً: "اجعل يومي سعيداً"، وهو اختصار لجملة التحدي الشهيرة التي كان يقولها نجم هوليوود كلينت إيستوود في سلسة أفلام (ديرتي هاري) البوليسية: "هيا أفعلها، اجعل يومي سعيداً."

وكمُنتج عملاق، لديه ما يكفي من الخام لمتطلباته الخاصة، ولديه القدرة على إمداد الآخرين، فإنه يمكن للرياض الاعتماد على خوف المتداولين من ضغوط العرض لتحريك السوق في الإتجاه الذي تحبذه. ومع ذلك، لا يوجد مسؤول نفطي سعودي واحد في الذاكرة الحديثة كان جريئاً لدرجة أن يلعب بورقة إخافة الأسواق مثلما فعل AbS أمس.

بالطبع، يمكن للمرء أن يقول بأن تعليقات الوزير/الأمير لم تكن أكثر من مزحة. لكن وزير النفط السعودي هو الأخ الأكبر غير الشقيق لمحمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ويستخدم الأحرف الأولى من اسمه مثل ولي العهد MbS، والذي لا يعرف عنه تواضعه.

ولكن إذا كان AbS جاداً بحق (ولا يوجد ما يشير إلى أنه لم يكن جاداً)، فقد بدا توقيت رده غريباً، لأن مجموعة النفط التي تديرها بلاده، قد أعلنت تقييماً سيئاً للطلب على النفط قبل بضعة أيام فقط.

فقبل إجتماع الأمس بـ 3 أيام فقط، أعلنت منظمة أوبك، توقعاتها للطلب على النفط للعام الحالي، والتي شهدت تخفيضاً، بسبب انتعاش الإقتصاد بأضعف من المتوقع في الهند ودول آسيوية أخرى، وحذرت من أن المخاطر لا تزال "مرتفعة وتميل إلى الاتجاه الهبوطي" في النصف الأول من العام المقبل.

وكانت المنظمة التي تتخذ من فيينا مقراً لها، قد أصدرت تقريرها الشهري المرتقب يوم الإثنين، وخفضت فيه توقعاتها للطلب العالمي على النفط في العام الحالي إلى ما معدله 90.2 مليون برميل يومياً. وهذا يمثل انخفاضاً بـ 400 ألف برميل يومياً عن تقديرات الشهر السابق، ويعكس تراجعاً سنوياً قدره 9.5 مليون برميل يومياً.

ثم تبعت وكالة الطاقة الدولية IEA التي مقرها باريس تقرير أوبك بتقريرها الخاص بعد ذلك بيوم واحد، وقالت إنها تتوقع أن ينخفض نمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 8.4 مليون برميل يومياً على أساس سنوي، ليصل إلى ما معدله 91.7 مليون برميل يومياً خلال العام الحالي. وهذه التوقعات أكثر تشاؤماً من التوقعات السابقة للوكالة، والتي كانت ترى انخفاضاً قدره 8.1 مليون برميل يومياً.

وصدرت هذه التقارير في الوقت الذي عززت فيه نهاية موسم القيادة الصيفي في الولايات المتحدة مخاوف المستثمرين من إنخفاض الطلب على البنزين.

كما أن بعض أعضاء أوبك+، مثل العراق ونيجيريا، وحتى حلفاء السعودية المقربين، مثل الإمارات وروسيا، لم يلتزموا بتخفيضات الإنتاج التي تم الإتفاق عليها في أبريل.

لكن في الاجتماع الافتراضي الذي تم بثه على الهواء مباشرة يوم أمس الخميس، سعى عبد العزيز بن سلمان مع وزراء النفط في روسيا والإمارات، ألكسندر نوفاك وسهيل محمد المزروعي، إلى التأكيد على أن جميع "الغشاشين" في أوبك سيعوضون عن حصص الإنتاج التي لم يلتزموا بها.

كما التزم التحالف بمواصلة تنفيذ اتفاق أبريل حتى نهاية العام، على الرغم من أن بعض الأعضاء، ومنهم السعوديية، قد قرروا رفع الإنتاج.

وفي الوقت الحالي، يبدو أن تأكيدات أوبك ولعبة الخوف التي يمارسها AbS قد آتت ثمارها.

فعند أغلاق جلسة الخميس في بورصة كومكس التجارية في نيويورك، أنهى عقد نفط غرب تكساس الوسيط، الذي يُعتبر العقد المعياري لسعر الخام الأمريكي، على ارتفاع بـ 81 سنتاً، أو ما يعادل 2٪، لينهي اليوم عند 40.97 دولار للبرميل. وفي التداولات المبكرة لليوم الجمعة، أضاف نفط غرب تكساس الوسيط إلى مكاسبه، ليخترق حاجز الـ 10٪ على أساس أسبوعي، ويعوض جزءاً كبيراً من خسارة الأسبوعين السابقين، والبالغة 13٪.