إنه عصر الذهب سواء انخفضت العملات المشفرة أو ارتفعت!

 | 20 ابريل, 2021 07:26

بدأت "العملات المشفرة" كمسألة أمريكية بحتة، اختراعا، وتداولا، حتى أن أكبر 4 شركات "لتعدين" تلك "العملات" هي أمريكية مسجلة في البورصات الأمريكية. 

واخيرا سجلت أول منصة لها في البورصة الأمريكية، منصة Coinbase Global Inc (NASDAQ:COIN)

وكان أكثر من 90% من رؤوس الأموال المستثمرة هي أمريكية."بلومبرج" 

ثم مع بداية فورة التيسير الكمي، والزيادة غير الطبيعية للمال الرخيص، بدأ الترويج على نطاق واسع من أقطاب أسواق المال في وول ستريت، من بنوك استثمارية، وشركات مرتبطة بها، إلى رجال أعمال محسوبين على النظام المالي الأمريكي، للبتكوين و"العملات المشفرة" لتنتشر كالنار في الهشيم، مع حملات إعلامية مركزة، وشبه منتظمة، بعناوين ملفتة ومحفزة!  

لتنتشر الحمى في أركان العالم، وتصبح "العملات المشفرة" حديث كل المضاربين والمستثمرين في الأسواق المالية على الأرجح.  

ثم فجأة ظهر الحديث عن المقارنة بين الذهب و"البتكوين"، ولا نعلم لماذا تم وضع الاثنين في كفة واحدة؟!  

لكن يبدو أنه كان هناك إصرار على وضع الذهب في تحد مع البتكوين. 

فمن الوهلة الأولى بدأ حديث كبار مديري الأصول في وول ستريت متضمنا المقارنة بين البتكوين والذهب. 

ظهر هذا في حديث لاري فينك المدير التنفيذي لشركة "BlackRock" أكبر مدير أصول في العالم منذ أول حديث له عن البتكوين. 

تلاه في ذلك مديرين في "BlackRock"، ثم ختمت بتأكيد بلاك روك ذلك التصور بحديث عن إمكانية أن يكون البتكوين بديلا للذهب! 

انتهت باعتماد بلاك روك أواخر 2020 صندوقين للاستثمار في مشتقات البتكوين فارتفع البتكوين بعدها ليحلق في السماء 

نفس الأمر تكرر من بنوك استثمار أمريكية عالمية، ولا يخفى على أحد أنها أكبر لاعبي وول ستريت وأكثر من 90% من الشركات في وول ستريت تخضع إدارتها لهذه البنوك وشركائها، ومديري الأصول أصحاب الحصص الأكبر فيها وفى تلك الشركات، فهي امبراطورية ضخمة متشعبة ومتداخلة الاندماجات والاستحواذات، وترجع جميعها لعدد محدود من اللاعبين، في الغالب ستجد أن هذه البنوك هي هؤلاء اللاعبين في النهايةّ  

من جولدمان ساكس (NYSE:GS) إلى JP Morgan وغيرهما، تكرر الحديث عن الاستثمار في البتكوين، والحث عليه، ثم اعتماد صناديق ضخمة له، مع عدم الكف عن مقارنته بالذهب، بل وأحيانا تفضيله عليه!  

وليس هذا بمستغرب على البنوك، فكلما زادت المضاربات زادت أوعية المضاربات، وأحجام المضاربة زادت أرباحها، فهذه بديهيات العمل في أسواق المال!  

لكن الحدث الملفت للنظر هو حديث محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول الذي ادعى فيه أنه البتكوين لا يؤثر على الدولار بل الذهب!  

وهذا أمر يستدعى مزيد من البحث عن محركي هذه الأوعية الخطرة، ويدفع لاعتمادها على نطاق واسع في أسواق المال بالتزامن مع خطط التيسير الكمي 

لا نريد سبر غوار هذا الأمر الآن فهو ليس من صميم موضوعنا حاليا.  

لكن كان غريبا جدا على مدير أكبر بنك في العالم، البنك الذي يملك حق إصدار الدولار وطباعته، أن يقارن بين البتكوين والذهب رغم عدم وجود أي رابط من أي جهة بينهما!  

وإلى أي شيء كانت تهدف هذه الرسالة الغامضة؟!  

لكنه كان محقا إلى أبعد مدى في بعض ما قال. 

فالبتكوين لا يضر الدولار وليس بديلا له كما زعم مخترعوه بداية، ولا ما يدعيه البعض حاليا أو سابقا. 

بل هو في صالح الدولار حقيقة، فكلما زادت المضاربات في البتكوين زاد الطلب على الدولار، الذي هو عملة التسعير، هكذا بكل بساطة بدون مزيد شرح.  

فإذا كانت هذه المقارنات لها مالها من أهداف خفية غير معلنة، أو مصالح يتم التخطيط لها، وذلك من حق دولة تدافع عن عملتها في خضم أزمة مالية واقتصادية طاحنة ألمت بها وتكاد تطيح بتصنيفها العالمي. 

لكنها مرفوضة من أساسها، ماليا واقتصاديا.  

فالذهب، هذا المعدن النفيس، الذي عاصر البشرية منذ فجر التاريخ، ليس مجرد دفقات كهربية لا ترى بالعين المجردة. 

ولا يمكن أن يختفي إذا ما اختفت التكنولوجيا، فهو باق بقاء الأرض التي نعيش عليها!  

إن المقارنة بين الذهب والبتكوين كالمقارنة بين الثرى والثريا  

لكن أسواق المال لا تعترف سوى بالجشع المالي، وتراكم الأرباح، من أي مصدر كان. 

ولو تشريع الدول لقوانين منظمة لكان البشر أنفسهم يتم تداولهم في هذه الأسواق، ولعادات العبودية، والرق من جديد، طالما يدر مالا ويراكم الثروات لهؤلاء.  

أخص هنا سوق المال الأمريكي، الذي يتم فيه تداول أسهم شركات الدعارة، والمخدرات بكل أريحية، ودونما أدنى تحرج، لا إنساني ولا ديني!  

ولذلك فالتغرير المستمر لأصحاب الأموال، بضخ أموالهم في تلك الأوعية عالية الخطورة، ما هو إلا حلقة في سلسلة ذلك الجشع، ولصالح المستفيدين الحقيقيين من التوسع في تلك المراهنات والمضاربات. 

وقد تم استخدام كل شيء في هذه الحملة، من إعلام موجه ختاما بسحب السيولة من الصناديق المخصصة للذهب والتي يديرونها بالأساس وتوجيهها للبتكوين "وفق بلومبرج"، فهل هذا برئ التوجه؟!