البنوك المركزية.. وشبح التضخم

 | 13 يونيو, 2021 14:13

أجبرت جائحة كورونا البنوك المركزية حول العالم على اتباع استراتيجيات مختلفة حيال معدلات التضخم، لدرجة أن كل بنك مركزي رئيس يمكنه القول بأن سياسته النقدية تلبي المعايير، وهذا يعني أن البنوك الرئيسية منقسمة الآن حيال التعامل مع الأمر، وأن سياسة تحديد أسعار الفائدة على أساس توقعات التضخم وتحقيق مستهدف بنحو 2 في المائة، سياسة قد ولت، ومع ذلك، فإن البنوك المركزية قد تضطر إلى إعادة تقييم سياساتها إذا أصبحت الأسعار المرتفعة مصدر قلق.

يتفق محافظو البنوك المركزية على جانبي المحيط الأطلسي على أن زيادات الأسعار نتيجة مؤقتة للتأثير السريع للوباء الذي أحدث اضطرابا قوياً في سلاسل التوريد وتسبب في تقلب الأسعار، ويمكن رصد تغير المواقف والسياسات النقدية من خلال متابعة سلوكيات أكبر ثلاثة بنوك مركزية حول العالم، فالاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأمريكي" غير موقفه لإعطاء المزيد من المساحة للتضخم ومنح أولوية أكبر للتوظيف، أما البنك المركزي الأوروبي فيبدو أنه متورط في جدلية التسامح مع أي تجاوز للتضخم، فيما يكافح بنك اليابان عبثاً من أجل إحياء توقعات نمو أسعار المواد الاستهلاكية، وهكذا، انهار الإجماع النقدي حول أفضل السبل لتعزيز نمو الأسعار المنخفض والمستقر.

تعد الاستراتيجية الأمريكية الأكثر ديناميكية في التحول، فقد أعلن جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي إطار عمل نقدي جديد يبتعد عن عقود من الزيادات الاستباقية لأسعار الفائدة لدرء الضغوط التضخمية المحتملة مع السعي بإصرار إلى التوظيف الكامل، وهي استراتيجية يعتقد المصرفيون  التكنوقراط أنها ستفيد الأمريكيين، بما في ذلك العمال ذوي الأجور المنخفضة والأقليات، وأحد دوافع الاحتياطي الفيدرالي هو تجنب تكرار مواقفه بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، عندما أدى تشديد السياسة النقدية إلى إبطاء التعافي الاقتصادي، ولهذا، سيسمح البنك للتضخم بأن يتجاوز هدفه البالغ 2 في المائة بشكل مؤقت، علماً بأن استراتيجية الاحتياطي الفيدرالي كانت مصممة في السابق وفقاً للسياسة النقدية الحذرة، وليس لعصر الوباء الذي يحتاج للاقتراض والإنفاق بكميات ضخمة.

أما البنك المركزي الأوروبي فقد نفدت ذخيرته بالكامل، إذ بينما يرتفع التضخم في منطقة اليورو أعلى بقليل من هدفه، فإن الأمر يحتاج إلى سياسة طموحة لفترة مستدامة، وما لم تكن هناك بعض الحوافز الضخمة في أوروبا على غرار ما قدمته الإدارة الأمريكية، فإن مقدار التحفيز النقدي اللازم لرفع التضخم إلى أعلى من 2 في المائة يتجاوز كثيرا ما يمكن للساسة النقديين فعله، وفي كل الأحوال لا ينبغي للبنك المركزي الأوروبي أن يبالغ في ردة فعله إذا تجاوز التضخم هدفه بعد الركود.

وفي اليابان، حيث يكافح البنك المركزي من أجل الالتزام بتجاوز التضخم، إلا أنه فشل على مدى الخمسة أعوام الماضية من الوصول إلى مسافة قريبة من هدفه البالغ 2 في المائة، وبالرغم من اندلاع الجائحة إلا أن التضخم لا يلوح في الأفق ولو من بعيد، فالأسر والشركات اليابانية مقتنعة بأن التضخم سيظل قريبا من الصفر، ما يجعل من المستحيل على بنك اليابان تحقيق هدفه الذي يبدو أنه بعيد المنال.