أليس الربح هو الهدف الاسمي؟ لا.. أن تخسر أولاً ذلك أفضل مما تتخيل

 | 17 أغسطس, 2022 10:36

لا شك أنه من أسوأ التجارب التي قد تواجه المتداول المبتدئ في أسواق المال هي أن يحقق أرباحا في أولى تجاربه الحقيقية في التداول، وربما قد يتساءل البعض لماذا؟

أليس الربح هو الهدف الاسمي لكل المتداولين بصرف النظر عن السوق المستهدف أو الفترة الزمنية المستهدفة للاستثمار؟

في كثير من الأحيان وبسبب هذه التجربة الإيجابية الأولى تنتهي تجارب المتداول اللاحقة إلى كارثة حقيقية. وقد رأيت وسمعت عن هذه المصاير مرارا وتكرارا على مدار العشرين عام السابقة بشكل متواتر وفي كثير من الأسواق والبلدان.

ففي مثل هذه الحالات غالبا ما يدخل المتداول إلى السوق في إحدى مراحله والتي أطلق عليها / داو جونز في نظريته الشهيرة the public participation phase، أو (مشاركة العامة) أو mark up.

وهي مرحلة تتميز بالصعود العنيف والتصحيحات الطفيفة فلا يكاد يحدث هبوط إلا ويتبعه صعودا أقوى ويكون المشترون مسيطرين علي السوق تماما. ولأن المتداول المبتدئ لا يعرف إلا الشراء والاحتفاظ وانتظار أي أرباح بشكل عشوائي فهو لا يؤمن بوضع وقف للخسارة مهما كان عمق الانعكاس، وهو لا يعرف إلا خيار الصبر علي الخسارة حتى تحقيق الربح وفي مرحلة مشاركة العامة للأسف فلا يصبر كثيرا حتى يصعد السوق ويحقق أرباحا.

هنا يأتي العامل النفسي وكارثة الكوارث حيث يخيل إلى هذا المتداول الذي حقق أرباحا في بضعه أشهر لم يكن يتوقعها ولم يسبق له تحقيقها من مصادر كسب العيش الطبيعية أنه قد أصبح خبيرا في أسواق المال ويتملكه الغرور، ويظن أنه دوام هذا الحال هو الأمر الطبيعي والافتراضي ضاربا بكل قواعد أداره المخاطر وكل ما سمعه من قصص خيانات البورصة لعشاقها وسفك أموالهم عرض الحائط.

إلى أن تنتهي أيام السوق السمان ويدخل السوق في الأيام العجاف (الانعكاس الرئيسي للسوق والاتجاه الهابط) أو مرحلة The panic phase كما أطلق عليها داو جونز.

في هذه المرحلة يكون صديقنا المبتدئ قد أعجبته اللعبة إلى حد الإدمان فهو لم يتعود إلا على الأرباح والليالي الملاح وكلما صبر علي الخسارة كلما تحول هذا الصبر في النهاية إلى انتفاخ في محفظته في ظلال الاتجاه الصاعد.

ولكن الوضع قد تغير الآن وصديقنا المبتدئ الذي قد بدأت معه اللعبة بأن دخل السوق بمبلغ بسيط من المال وكلما كسب دولارا أضاف إليه من حر ماله عشرة دولارات طمعا في المزيد من الأرباح حتى إذا ما وصل السوق إلى قمته الرئيسية.

ألقى صديقنا بكل أمواله ومدخراته بل ومدخرات أصدقائه وأقاربه ومعارفه إلى قمم الأسعار والتي تحولت إلى فوهه بركان غاضب، فتأتي الضربة الأولى من البائعين الدببة ويهبط السوق بعنف فيظن صديقنا أن هذا الهبوط تصحيح بسيط كسابقاته فيصبر صديقنا بل ويعتبرها فرصه لزيادة الأرباح فيزيد من رأس ماله.

ثم تأتي الضرب الثانية ولا يزال صديقنا في مرحلة عدم التصديق لكن هيهات له أن يخرج من السوق بخسارة فقد تعود علي الصبر علي الخسائر.

لكن هذه المرة الخسارة غير معقولة وكل شمعة حمراء تكلف صاحبنا ثروة.

وهو يمني نفسه أن السوق سيعود غدا... الأسبوع القادم... الشهر القادم والشموع الحمراء تتوالى كنهر الدم.

تبدأ الأزمات النفسية والأمراض الجسدية في الظهور ومع كل نزول للسوق تستحكم الحلقة علي صديقنا أكثر فأكثر ثم يكون الندم والحسرة وربما جرائم القتل والانتحار، وإن نجا من هذا كله فكفاه أنه قد دخل السوق بأمواله وخرج من دون أن يتعلم شيئا، فربح من ربح وخسر من خسر.

علي النقيض من حسن حظ المتداول المبتدئ أن يخسر في أول تجربة له في التداول، حيث إن ذلك الأمر قد يدفعه دفعا إلى التعلم والبحث واكتشاف الأخطاء ومحاولة اكتساب خبرات مجانية سواء من أهل الخبرة أو من الكتب المتخصصة في المجال قبل العودة إلى معترك السوق مرة أخرى، كما أنه سيكون أكثر حذرا وأكثر تواضعا وبالتأكيد أكثر علما.

إلا أنه يجب التنويه أن أسباب الربح والخسارة في أسواق المال لها قواعد ثابتة لا تتغير عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، وإن كان الغالبية يعرفونها ويغضون الطرف عنها، لأن هذه القواعد تحتاج بعد التعرف عليها وتعلمها إلى الإيمان بها والصبر علي ممارستها ومجاهدة النفس الطامعة دوما إلى الربح والخائفة دوما من الخسارة.

فالسر هنا في الانضباط والالتزام، وللحديث بقية.