الذهب ينطلق فإلى أين؟ ومأزق الفيدرالي

 | 06 نوفمبر, 2022 16:29

الاقتصاد الأمريكي يشتعل.

بل إذا نظرت الى معدلات النمو والإنتاج والتوظيف ستجد أن الولايات المتحدة مقبلة على ذروة إنتاجها الاقتصادي والاستهلاكي على مدار خمسون عاماً وهذا ما يؤرق الفيدرالي .

يهدف الفيدرالي من رفعه للفائدة أن يدخل الاقتصاد الأمريكي وعند عمد في ركود "ناعم" لكن كل المؤشرات الاقتصادية تعانده حتى اللحظة ، وذلك لان الفدرالي وعلى عكس أغلب البنوك المركزية يعمل على هدفين في آن واحد وهما السيطرة على التضخم وزيادة التوظيف ، في حين أن معظم البنوك المركزية تعمل فقط على السيطرة على التضخم ولا يهمها أمر التوظيف كثيراً.

لكن السعي وراء الهدفين في آن واحد وضع الاقتصاد الأمريكي في مأزق، نجح الفدرالي في خفض البطالة بنسبة كبيرة، حيث في الستين عاماً المنقضية لم تهبط البطالة اسفل مستويات 4% إلا أربع مرات، عناصر أحدها الآن.

لكن انخفاض البطالة بهذا الشكل الملحوظ أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم نظراً للقدرة الشرائية للمستهلك الأمريكي، فالجميع يحصل على راتب والجميع يريد الشراء، زاد الطلب ولم يقابله زيادة في الإنتاج حيث ان الطاقة الإنتاجية الصناعية في الولايات المتحدة تبلغ الان 83% وهو أعلى معدل منذ أربعين عاماً ، وهو ما يعني أن المنتجون مضطرون الى زيادة أسعار السلع لعدم قدرتهم على زيادة الإنتاج أكثر من ذلك.

يعمل الاقتصاد الأمريكي حاليا على أقصى قدرة إنتاجية له رغم المشاكل الجمة الموجودة في سلاسل التوريد وآثار جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية ، معدلات الإنتاج الامريكية حالياً هي أعلى من معدلاتها في ظل هدوء الأجواء الجيوسياسية.

ورغم رفع الفائدة ستة مرات متتالية إلا أن مؤشر الناتج المحلي للربع الثالث جاء إيجابياً بنسبة 2.6% وهذا على عكس ما كان يريد الفدرالي والذي ذكرنا أنه يريد هبوط تباطؤ وركود ناعم ليستطيع السيطرة على التضخم .

يتزامن كل ذلك مع انخفاض نسبة الديون المتعثرة الى 1.4% ، بل ان فائدة اقتراض الشركات ذات المخاطر العالية (Junk) عند مستويات 8% أي بفارق 4% فقط عن فائدة الفدرالي وهو أقل من ذروة كورونا حيث كان الفرق يزيد عن 8.5%.

حتى أن مؤشر فيكس والذي يقيس مدى التذبذب في البورصة الامريكية في مستويات هادئة (26) رغم مشاكل الامداد والحرب والتوترات مع الصين وجائحة كورونا، كان ذات المؤشر في ذروة كورونا عند مستويات (80).

=كل ما سبق يعني أن الاقتصاد الأمريكي على اقصى سرعة له ، ولن يستطيع تلبية طلبات الشراء الكثيرة ، وأنه في طريقه إلى رفع معدلات الفائدة إلى مستويات 5% قريباً ، ورغم كل ذلك لم يتجاوب التضخم معه بل ظل أعلى مستويات 8%.

كل ذلك ولم نذكر ما يفعله السياسيون من أمور تزيد من وتيرة تسارع التضخم ، حيث من يومين قامت مجموعة السبع بوضع سقف لسعر النفط الروسي ، روسيا التي تنتج يومياً ما يقارب 10 ملايين برميل أعلنت انها لن تورد النفط لم يفرض هذا السقف وتدرس حاليا تقليل الإنتاج، وهو ما يعني زيادة في أسعار النفط والذي كان ارتفاعه السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات التضخم عالمياً.

كذلك الخطة الروسية الواضحة من تعمدها إطالة امد الحرب لعلها تكسر شوكة السياسة الغربية عبر احتجاجات شعبية على ارتفاع تكاليف المعيشة ، تؤثر الحرب الروسية الأوكرانية وبصورة مباشرة بالسلب على سلال التوريد، وأسعار القمح، وأسعار الغاز، وأسعار النفط، كل ذلك يرتفع بسبب تلك الحرب.

لم نذكر أيضا طباعة الولايات المتحدة في عامين فقط وبصورة مباشرة ما يقارب 10.4 تريليون دولار لمقاومة آثار جائحة كورونا، وهو أكثر مما طبعته على مدار 47 وأربعون عاماً مجتمعة.

كل ما سبق يصب فقط في مصلحة التضخم وينبئ أنه لم يصل ذروته بعد، ولم يتبقى في يد الفدرالي أدوات لمقاومة التضخم المتزايد، وصل بالفائدة إلى 4% وأقصى ارتفاع قد يصل به هو 5% ، لن يستطيع الزيادة أعلى من ذلك ، سيتسبب ذلك في زيادة أسعار الدولار والذي يتداول قرب قمة اربعون عاماً وهو ما يعني انخفاض الصادرات الأمريكية، قد يفقد الاقتصاد الأمريكي بعض الزبائن إلى الأبد بسبب ارتفاع الدولار وهو ما سيؤثر بشكل شديد السلبية على الدولة ككل.

وقد ذكرنا في تحليلاتنا السابقة أن الأداة الأكثر فعالية والتي يخشى الفدرالي استخدامها هي إعدام السندات الأمريكية، شراؤها وإعدامها، هذا هو علاج التضخم الذي نراه لكنه حل غير مطروح.

فعل الفدرالي الأمريكي أقصى ما يمكنه فعله لمحاربة التضخم المتزايد ، وفشل في إبطائه ، والآن سيصبح الأمر متروكاً للسوق لإعادة عملية التسعير، فهم المستثمرون الآن أن الدولار يحلق حول ذروته ولن يستطيع ان يتقدم اكثر ، لذا ستبدأ الأموال في البحث عن ادوات أخرى لحفظ قيمة الأصول.

لذا نجد الذهب والنفط يتربعان على قمة الأهداف المستقبلية للمشترين لسببين.

الذهب هو المال الحقيقي والملاذ الأول مستقبله في الصعود براق للغاية.

أما النفط ومع فرض سقف سعري للنفط الروسي فنراه الان رخيصاً للغاية.

-----------------------

كانت تلك نظرتنا المالية والآن نتجه نحو نظرتنا الفنية للذهب ومؤشر داو جونز.

أولاً: الذهب