عن كثب-التغييرات القضائية تعمق الانقسام في إسرائيل

رويترز

تم النشر 07 مارس, 2023 21:03

من معيان لوبيل

القدس (رويترز) - في اليوم السابق لأداء حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتشددة اليمين في 29 ديسمبر كانون الأول، تساءل مضيف برنامج دردشة شهير عما إذا كان من الأفضل لإسرائيل الانقسام بين دولة علمانية ليبرالية ونظام حكم ديني مع مزيد من الميول والنوازع القومية.

تكشف الإشارة الغامضة من المذيع عن إحساس بالقلق إزاء مدى عمق الانقسامات في ظل ائتلاف نتنياهو الجديد، ذلك لأن في تلك الإشارة تلميحا للعصور التوراتية، عندما انقسم بنو إسرائيل إلى مملكتي يهودا وإسرائيل المتنافستين بما ترتب على ذلك من نتائج وخيمة.

كان ذلك قبل أسبوع واحد من كشف الحكومة النقاب عن التغييرات القضائية الشاملة التي أثارت احتجاجات في عموم البلاد وحيرة بشأن ما إذا كان التعايش ممكنا بين معسكرين لهما وجهات نظر مختلفة جدا حول معنى الدولة اليهودية الديمقراطية.

وتحدثت رويترز مع نواب من الائتلاف الحاكم والمعارضة وكذلك مع خبراء قانونيين واقتصاديين ومسؤولي أمن سابقين وآخرين في الخدمة ومع أفراد من الشعب الإسرائيلي من الجانبين المؤيد والمعارض، إذ عبروا عن قلقهم من أن مساعي نتنياهو إلى التغييرات القضائية السريعة تدفع البلاد إلى حافة الهاوية.

ومن شأن التغييرات التي ما زالت في أروقة البرلمان أن تكبح سلطة المحكمة العليا المستقلة وتمنح الحكومة كلمة عليا في اختيار قضاة محكمة يتهمها بعض الساسة المحافظين بالإضرار بالمصالح الوطنية.

وبالنسبة لائتلاف حاكم يعول على المستوطنين الذين يضغطون لإحكام قبضة إسرائيل على الضفة الغربية المحتلة والأحزاب الدينية المتشددة تُعد المحكمة عدوا للديمقراطية لأنها كثيرا ما تتمرد على البرلمان.

ويضم المعسكر المعارض للتغييرات القضائية شريحة عريضة من المجتمع الإسرائيلي، ويعد أكثرهم انتقادا صريحا للتغييرات قادة الجيش السابقين وخبراء العلوم ورجال الأعمال وخبراء الاقتصاد.

احصل على التطبيق
انضم إلى ملايين المستخدمين الذين يحصلون على أحدث أنباء الأسواق بأقصى سرعة على Investing.com
حمل الآن

ويرى المنتقدون للتغييرات أن إضعاف المحكمة العليا من شأنه أن يقوض الأساس المتين للديمقراطية في إسرائيل ويمكن أن يضع البلاد على طريق التحول إلى دولة فاسدة وإلى القهر الديني.

وتزيد هذه المشاعر تعمقا.

* شبح غزة

قال إيلاد زيف (52 عاما) عن قضاة المحكمة العليا الذين أمروا في عام 2016 بهدم موقع عمونا الاستيطاني في الضفة الغربية حيث عاش هو وزوجته لأكثر من عقد من الزمان ونشأ أبناؤهما السبعة "إنني أحتقرهم".

وأضاف أن المحكمة اغتصبت سلطة نواب البرلمان منذ التسعينيات وتدخلت في مناقشات لم يكن من صلاحياتها البت فيها.

وفي عام 2020 ألغت المحكمة العليا قانونا كان يقضي بمنح الترخيص بأثر رجعي للمنازل التي بناها المستوطنون على أرض يملكها فلسطينيون، مثل عمونا. ومن المحتمل أن يصبح إصدار مثل هذه الأحكام شبه مستحيل إذا تمت التغييرات القضائية لأن البرلمان سوف يقيد سلطة المحكمة على إلغاء القوانين.

وليس لدى إسرائيل دستور مكتوب، كما أن البرلمان يتكون من مجلس واحد فقط عادة ما تسيطر عليه ائتلافات أغلبية، ومن ثم فإن إضعاف المحكمة سوف يقضي على واحدة من المكابح القليلة التي تعوق السلطة المطلقة للحكومة، حسبما يقول الخبراء.

ورفض مكتب نتنياهو التعليق بهذا الشأن.

وبالنسبة للإسرائيلية موريا تاسان ميخائيلي فإن مناوءتها الشديدة للمحكمة تعود إلى عام 2005 عندما أصدرت حكما يسمح بالإخلاء القسري لآلاف المستوطنين من غزة مع انسحاب إسرائيل من القطاع الفلسطيني.

ومع مرور قرابة 20 عاما، لا يزال الجرح مفتوحا.

وقالت في مستوطنتها جفعات هاريل في الضفة الغربية "المحكمة معادية للمستوطنين منذ سنوات... الإصلاح القانوني ينبع (TADAWUL:3060) من أساس منطقي، من شعب تعرض للتمييز لسنوات من جانب محكمة تعتبر نفسها حصنا لليسار".

وتحرك المستوطنين أيديولوجية اعتبار أنفسهم روادا لاسترداد الأرض الموعودة لهم بأمر إلهي،  ويعتبر الكثيرون أحكام المحكمة العليا ضد المستوطنات خيانة.

ولم ترد المحكمة العليا على طلب للتعليق.

وفي تصريحات نادرة حول سياسة الحكومة قالت رئيسة المحكمة العليا إستر حايوت في يناير كانون الثاني إن التغييرات سوف تسحق نظام العدالة وتوجه ضربة قاتلة إلى الديمقراطية وتضر بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات المدنية.

وقالت إن الأحكام الصادرة ضد الحكومة والبرلمان على مر السنين كانت دائما مقيدة بالمسؤولية وضبط النفس.

وتظهر استطلاعات الرأي أن غالبية الإسرائيليين يعارضون الطريقة التي تمضي بها الحكومة قدما في التغييرات. ويقول الكثيرون من المحافظين والليبراليين إنهم يريدون حلا وسطا مثل ذلك الذي اقترحه الرئيس إسحق هرتسوج.

وتظهر الاستطلاعات أن ما بين ربع وثلث الإسرائيليين يؤيدون بقوة مساعي الإصلاحات القضائية.

ويشكل المستوطنون في الضفة الغربية نحو خمسة بالمئة من الإسرائيليين. ويشمل هؤلاء المستوطنون بعض أجزاء من المجتمع المتشدد سريع النمو الذي يدافع عن مظالمه أيضا ضد المحكمة ويشكل نحو 13 بالمئة من السكان.

وتلقى الإصلاحات أيضا تأييدا من حزب نتنياهو، الليكود، وهو الأكبر في البرلمان.

لكن بالنسبة للعديد من منتقدي التغييرات تمثل خطط الحكومة خط مواجهة في معركة حول هوية إسرائيل.

* "أنتم تمزقوننا"

حملت لافتة رفعها أحد جنود الجيش الإسرائيلي السابقين خلال مسيرة مع جنود احتياط في صباح أحد الأيام الباردة في فبراير شباط على طول تل يمتد على الطريق السريع من مركز الأعمال الحرة تل أبيب إلى القدس الأكثر فقرا والأكثر تدينا "1973 -حرب عيد الغفران. 1982 -حرب لبنان. 2023 -حرب لإنقاذ الديمقراطية".

وقال جندي القوات الخاصة السابق إسحاق أفيرام "هذا البلد يتغير من دولة ديمقراطية وليبرالية إلى دولة شديدة التدين ... كما حاربنا ذات يوم من أجل إسرائيل، نواصل نضالنا من أجل ديمقراطية إسرائيل".

وبعد أيام قليلة من احتجاج جنود الاحتياط، حث رؤساء سابقون لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي كبار المسؤولين السياسيين على إيجاد حل وسط في رسالة إلى رئيس البرلمان.

وكتبوا في الرسالة غير المؤرخة التي اطلعت عليها رويترز وجرى تداولها في العاشر من فبراير شباط تقريبا أن عمق الانقسامات يمكن أن يُضعف قدرة إسرائيل على الصمود أمام التهديدات الخارجية.

وجاء في رسالة حملت 12 توقيعا بمن فيهم رئيس جهاز المخابرات (الموساد) السابق يوسي كوهين، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه أحد المقربين من نتنياهو "نحن نعتبر احتدام الصراع الاجتماعي والسياسي حاليا خطرا على الصمود الوطني".

كما أطلق مجتمع الأعمال إنذارا من جانبه.

وحث مسؤولون في البنك المركزي، انطلاقا أيضا من شعورهم بالقلق، السياسيين على التروي، وقالت بعض شركات التكنولوجيا إنها تُخرج أموالها من البلاد، كما يتوقع اقتصاديون بارزون حدوث كارثة مع انخفاض العملة إلى أضعف مستوياتها منذ سنوات.

ومن المحتمل أن تثير التغييرات قلق الأقلية العربية المسلمة في معظمها في إسرائيل والتي تشكل نحو خمس السكان.

وقال النائب منصور عباس زعيم حزب القائمة العربية الموحدة إن المواطنين العرب في إسرائيل، الذين غالبا ما يأسفون لمعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، يدركون جيدا المخاطر التي تشكلها التغييرات المقترحة.