لقد مر نحو 15 عاماً منذ أن قال بن برنانكي، رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي السابق، إن تخمة الادخار العالمي قد غذت العجز الهائل في الحساب الجاري الأمريكي.
ولكن تغيرت الكثير من الأمور منذ ذلك الحين، فقد تقلص العجز الأمريكي وتضاءلت فوائض مصدرى البترول وتوسعت البنوك المركزية في كل مكان بشكل كبير في ميزانياتها العمومية.
ومع ذلك، لا يزال هناك سمة عالمية أخرى، تطرق إليها برنانكي، في بداية عام 2005، مألوفة بشكل كبير، وهي مخزون آسيا من المدخرات الذي لا يزال هائلاً كما أن حجمه سيزداد سنوياً.
وبالنسبة لشرق آسيا ككل، يضيف إجمالي المدخرات المحلية ما يصل إلى 35% من الناتج المحلي الإجمالي بشكل سنوي، ولم يتغير الكثير خلال العقود الثلاثة الماضية.
وأوضحت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية أن قلق برنانكي، في بداية القرن العشرين، كان يدور حول الفائض النقدي في آسيا الذى كان يتدفق إلى أسواق السندات في الولايات المتحدة وخارجها، مما تسبب في انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية على المدى الطويل.
وعندما اندلعت الأزمة المالية العالمية عام 2008، أشار بعض خبراء الاقتصاد إلى تخمة الادخار الآسيوي باعتبارها السبب الكامن وراء انتقال سوق الإسكان من طفرة اقتصادية إلى كساد عظيم، ولكن مع انخفاض أسعار الفائدة الآن، لا يزال البعض يتساءل مرة أخرى حول ما إذا كان الادخار المفرط في آسيا يؤدي إلى تفاقم مشكلة الاقتصاد العالمي.
وهناك بالتأكيد كثير من الصيحات العالمية منذ 15 عاماً، فمعدلات الإدخار العالية في آسيا تواصل التحول إلى فوائض كبيرة في الحساب الجاري، وبلغ متوسط فائض الحساب الجاري لشرق آسيا حوالي 525 مليار دولار سنوياً خلال الخمسة أعوام الماضية، وهي قيمة نقدية أعلى من المتوسط المسجل في الخمسة أعوام السابقة للأزمة العالمية.
وأفادت المجلة أن توزيع الفائض قد تحول، فقد وصل فائض الصين إلى ذروته قبل عقد، بينما كان الفائض لدى كوريا الجنوبية وتايوان أكبر من المعتاد.
وأشارت إلى أن فائض الحساب الجاري في الاقتصادات الكبرى في آسيا يساهم بنحو 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو ما يعادل تقريباً فائض اقتصادات أوروبا مجتمعة، بما في ذلك ألمانيا.
وقال براد سيتسر، الخبير الاقتصادى لدى مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، إنه أحد التدفقات العالمية الرئيسية العابرة للحدود والتي تؤثر على أسواق الأصول وتقلص العوائد على مستوى العالم.
وفي اﻷعوام اﻷولى من القرن العشرين، كان التركيز على احتياطيات العملات في آسيا، خاصة الصين، والتي انتهى المطاف بمظمها إلى الأصول الآمنة، مثل سندات الخزانة الأمريكية، أما الآن، أصبح عدد كبير من المستثمرين الآسيويين يوجهون مدخرات الأسر والشركات إلى الأسواق العالمية، ولكن تأثير هذه الخطوات يمكن أن يكون أكثر وضوحاً في بعض القطاعات.
وبحسب صندوق النقد الدولي فإن شركات التأمين على الحياة التايوانية تمتلك 18% من جميع الديون المقومة بالدولار الصادرة عن البنوك غير الأمريكية، وتمتلك البنوك اليابانية 15% تقريباً من التزامات القروض المضمونة الصادرة عالمياً، والتي من المحتمل أن تكون محفوفة بمخاطر ديون الشركات.
ويخطط صندوق التقاعد الوطني لكوريا الجنوبية، وهو ثالث أكبر صندوق في العالم فهو يمتلك أصولاً بقيمة 600 مليار دولار تقريباً، لمضاعفة استثماراته في السندات الأجنبية خلال الخمسة أعوام المقبلة.
ومع ذلك، لا يزال الارتفاع المستمر في المدخرات الآسيوية يبدو أقل ضرراً من زوايا أخرى، والأهم من ذلك أنه غير مصحوب بنفس درجة التدخل في أسعار الصرف للحفاظ على العملات كما كان الحال في بداية القرن الحالي.
وفي معظم أنحاء آسيا، زاد مستوى التسامح مع العملات القوية، فمن بين الاقتصادات الـ60 التى يتتبعها بنك التسويات الدولية، لم يشهد سوى 16 اقتصاداً، سبعة منها آسيوي، ارتفاعاً حقيقياً فى أسعار صرف العملات بأكثر من 5% منذ عام 2010.
وبالإضافة إلى ذلك، اتخذت بعض الدول خطوات هامة لجعل تدخلاتها فى أسواق العملات أكثر شفافية، ورحبت وزارة الخزانة الأمريكية بقرارات كوريا الجنوبية وسنغافورة للبدء في نشر بيانات منتظمة عن أي إجراء تتخذه في هذه اﻷسواق.
ومع ذلك، كان هناك دول أخرى تتدخل بشكل كبير في أسواق العملات، فعلى سبيل المثال بدأت فيتنام وتايلاند تجميع احتياطيات النقد الأجنبي بوتيرة سريعة، كما يعتقد سيتسر أن احتياطيات تايوان من العملات قد يكون أكبر بنسبة 40% من المعلن رسمياً، لأن البنك المركزي هناك لا يقدم أى تقرير أو إبلاغات عن تعرضه للمشتقات المالية.
وهناك سؤال أوسع نطاقاً يدور حول ما إذا كان يجب لوم آسيا على ميلها إلى الادخار، ولكن بالنظر إلى سنغافورة، التي بلغ فائض حسابها الجاري 18% من الناتج المحلي الإجمالي، فقد تصدت لمثل هذه الانتقادات، وجادل صندوق النقد الدولي بأن الموقف الخارجي لهذا البلد أقوى بكثير مما تقتضيه الأساسيات، كما أن الحكومة دعت إلى إنفاق المزيد على البنية التحتية والضمان الاجتماعي، مما قد يساعد في الحد من مدخرات المواطنين الاحتياطية.
وقبل منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كانت تعاني سنغافورة من عجز فى حسابها الجاري بشكل منتظم، ولكنها حققت فائضا بعد ذلك عندما تحولت إلى بقعة ديموغرافية جيدة ذات عدد كبير من العمال وعدد أقل من السكان المتقاعدين، ومع ذلك، تتوقع البلاد انخفاض فائضها في السنوات القادمة مع تقدم السكان في السن، حيث ستنخفض مدخرات اﻷسر وستواجه الحكومة تكاليف متزايدة للرعاية الصحية.
ومن المحتمل أن تكون الديناميكية لدى الصين وكوريا الجنوبية وتايوان، التي تعاني من الشيخوخة السعرية، مشابهة لتلك في سنغافورة.
وفي الوقت نفسه، لا يزال خبراء الاقتصاد يواصلون طرح تساؤلات حول مقدار اللوم الذي يجب أن يلقى على المدخرين الآسيويين بشأن الاضطرابات المالية العالمية، خاصة أن أمور أخرى كثيرة كانت كامنة وراء تلك اﻷزمة، بما في ذلك أنظمة الرهن العقاري المتساهلة في الولايات المتحدة والبنوك المتعثرة في أوروبا، والتي اقترضت بشكل كبير وكانت محفوفة أيضاً بمخاطر الديون.
وأشارت “ذي إيكونوميست” إلى أن فائض المدخرات في آسيا يمثل عقبة أخرى أمام عالم يعاني من ضعف الطلب، ولكنه لا يأتي على رأس القائمة وسط كل اﻷمور الأخرى التي تثير القلق في العالم.