من الطبيعى أن نبحث أسباب الصعود في أسواق الأسهم، ولكن العداء تجاه الارتفاع الذى دفع مؤخراً مؤشرات “ستاندرد آند بورز 500”، و”داوجونز”، و”مؤشر ناسداك” المركب لمستويات قياسية جديدة يبدو استثنائياً حقاً فى تنافره المعرفى، وقضيت 20 عاماً أعمل في المجال المالي، واعتدت على رؤية الارتباك الناتج عن رفض أداء السوق، ولكن ما يحدث الآن متطرفاً بعض الشيء.
وتسير الأسهم على طريق تحقيق أفضل أداء لها منذ 2013، وتجاوزت المكاسب العام الجاري 23% لمؤشر “ستاندرد آند بورز 500″، وضخ المستثمرون حوالي 450 مليار دولار في صناديق الاستثمار في الأصول عالية السيولة، وهو الرقم الأكبر منذ الأزمة المالية العالمية فى 2008، ومع ذلك، فإن أي استطلاع للمعنويات للسوق تكون نتائجه بعيدة كل البعد عن التفاؤل.
ويعود التشاؤم جزئياً إلى السياسة، فهناك أيام تبدو فيها مقترحات المرشحة الديموقراطية للرئاسة، إليزابيث وارن، وكأنها مصممة خصيصاً للضرر بسوق الأسهم، وكانت تخفيضات الضرائب التي أقرها الرئيس دونالد ترامب عام 2017 فى أغلبها خفض للضرائب على الشركات ما عزز أسهمها، بينما رفع الضرائب الذي تقترحه وارن سوف يفعل العكس لأنه سيكون في شكل ضرائب على الشركات والثروة.
ولا يوجد أحد سعيد بما يحدث، ومع ذلك تواصل الأسهم الصعود، وبخلاف الضوضاء السياسية، هناك دلائل متزايدة على أن الاقتصاد يتباطأ، وانزلق كل مسح هام تقريباً لقطاع التصنيع في منطقة الركود، وتباطأ نمو الوظائف، وهناك المخاوف المعتادة بشأن معدلات الاستدانة، خاصة فيما يتعلق بكروت الائتمان وقروض السيارات والطلاب، ولكن يبدو أن تلك الديون أصبحت سمة دائمة في الأسواق.
والأكثر إثارة للقلق، خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي للفائدة 3 مرات منذ نهاية يوليو، وربما كان ذلك ردة فعل على انتقادات ترامب بأن السياسة النقدية متشددة للغاية، ولكن في الواقع، لدى الفيدرالي بيانات أكثر منا جميعا، ولا أتصور أنه قد يبدأ فى حملة لخفض الفائدة إذا لم يكن هناك سبباً حقيقياً للاعتقاد بأن الاقتصاد يتباطأ، وهناك أيضاً “جنون الريبو”، الذي يكون إما قضية كبيرة أو لا وفقاً لمن تحدث.
وفي الواقع، أكثر ما يقلق بشأن السياسة النقدية هذه الأيام ليس خفض الفائدة، وإنما تواصل الفيدرالي، فبعدما كان يدّعى أن هذه الفائدة “ليست قريبة بأي شكل من المعدلات الطبيعية”، تحول إلى عدة تخفيضات في أقل من عام وهو أمر لا يبعث على الثقة.
وتوجد دائماً أسباب تدعم بيع الأسهم بدلاً من شرائها، وأنا شخصياً، مررت بأوقات عصيبة لكي أتحمس للأسهم عند هذه التقييمات المرتفعة، ولكن أعتقد أن الناس لم تنتبه لعامل أساسي يقود سوق الأسهم وهو العرض والطلب، فقد تراجع عدد الشركات المدرجة في البورصة بحوالي النصف فى 20 عاماً، من حوالى 7 آلاف شركة إلى 3500 شركة، وهو ما يعني أن هناك أموالاً أكثر تطارد أسهماً أقل، كما أن طفرة إعادة شراء الأسهم قللت المعروض أكثر.
ومن الصعب قياس الطلب، ولكننا نعلم أن هناك مليارات قليلة تتدفق إلى الصناديق التي تتبع المؤشرات كل يوم، وهو ما يدعم السوق بشكل عام، وهذه ليست بالضرورة أموال جديدة، ولكن أموال خارجة من الصناديق النشطة.
وأقول ما يلي بأقصى درجات الوعي الممكن: من الصعب جداً جداً أن تنخفض أسعار الأسهم حتى تتغير آليات العرض والطلب، إما من خلال المزيد من الطروحات الأولية أو الثانوية، أو من خلال تغير هائل في كيفية رؤية المستثمرين للسوق، ولكى تتغير وجهة نظر المستثمرين جميعهم يجب أن يتراجع سوق الأسهم بحدة، ونحن لم نصل لذلك بعد.
بقلم: جاريد ديليان، استراتيجى استثمار فى “مولدين إيكونوميكس للاستشارات”
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”