تحليل- ماكرون يحرز نصرا دبلوماسيا في الأزمة اللبنانية لكنه يواجه اختبارا

رويترز

تم النشر 22 نوفمبر, 2017 12:50

محدث 22 نوفمبر, 2017 13:00

تحليل- ماكرون يحرز نصرا دبلوماسيا في الأزمة اللبنانية لكنه يواجه اختبارا

من جون أيرش

باريس (رويترز) - تزج مباردة الرئيس إيمانويل ماكرون دعوة سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني المستقيل إلى باريس بفرنسا في قلب صراع على النفوذ بين السعودية السنية وإيران الشيعية وستمثل اختبارا لسياسة حياد يتشكك منتقدوها في إمكانية استمرارها.

ورغم أن هذه الخطوة خففت من حدة التوترات الإقليمية التي شهدت ارتفاعا كبيرا بعد استقالة الحريري في الرابع من نوفمبر تشرين الثاني الجاري فقد كشفت عن مدى صعوبة موقف ماكرون المعلن بعدم الانحياز لطرف على حساب آخر في الشرق الأوسط.

وقال دبلوماسي أوروبي لم يشأ نشر اسمه في سياق الحديث عن سياسات زعيم حليف لدولته "ماكرون عرض نفسه للخطر في لبنان. الأمر أشبه بساعة الامتحان بالنسبة له".

فقد وصل الحريري حليف السعودية إلى فرنسا يوم السبت بعد أيام من إعلان استقالته من الرياض واتهام إيران وجماعة حزب الله بزرع الفتن. ويعتقد كثيرون من اللبنانيين إن السعودية فرضت عليه الاستقالة.

ولم يقبل الرئيس اللبناني ميشال عون الاستقالة ووصل الحريري إلى بيروت يوم الثلاثاء للمشاركة في الاحتفالات بذكرى انتهاء الانتداب الفرنسي على لبنان عام 1943.

ويبدو أن مناورة ماكرون التي جاءت في أعقاب زيارة إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وسلسلة من المكالمات فاجأت وزارة الخارجية وسلطت الضوء على نزعته للالتفاف على مؤسسات الدولة لتأكيد وضعه في مقعد القيادة مثل الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي.

وقال ستيفان مالزاني المحاضر بجامعة سيانس بو في باريس "حتى الآن هو نصر رمزي للدبلوماسية الفرنسية أتاح إمكانية خفض التوترات" لكنه أضاف إنها "مقامرة خطرة" قد تثير غضب كل الأطراف.

وكان ماكرون شرح أهداف سياسته الخارجية في المنطقة في أول خطاب يلقيه أمام رجال السلك الدبلوماسي في أغسطس آب وقال إنه يريد أن تحافظ فرنسا على موقف متوازن.

احصل على التطبيق
انضم إلى ملايين المستخدمين الذين يحصلون على أحدث أنباء الأسواق بأقصى سرعة على Investing.com
حمل الآن

وقال في الخطاب "لن نحقق هدفنا في مكافحة الإرهاب إلا إذا لم نرتكب الخطأ الذي يفرض علينا الاختيار بين الشيعة والسنة وإلى حد ما يجبرنا على أن نحصر أنفسنا في معسكر واحد".

غير أن بعض الدبلوماسيين الفرنسيين يقولون إن ماكرون سيكتشف أن من الصعب استرضاء الجميع.

ويحافظ لبنان على توازن طائفي دقيق بعد الحرب الأهلية التي شارك فيها السنة والشيعة والمسيحيون والدروز بين عامي 1975 و1990 وفي كثير من الأحيان تحظى الطوائف بدعم قوى إقليمية متنافسة.

والحريري مسلم سني أما الرئيس عون الحليف السياسي لحزب الله فمسيحي. ويشارك حزب الله في حكومة الحريري الائتلافية التي تشكلت العام الماضي.

وقال مسؤول لبناني كبير مشترطا عدم نشر اسمه "هذه الوساطة مقدمة لدور سياسي فرنسي جديد في لبنان ... ومحاولة فرنسية لإيجاد موطئ قدم للانطلاق من لبنان إلى المنطقة".

وأضاف "لكن الفرنسيين سيواجهون صعوبات في ظل وجود اللاعبين الكبار (الولايات المتحدة وروسيا وإيران والسعودية) في المنطقة".

ومنذ أعلن الحريري استقالته اتهمت السعودية لبنان بإعلان الحرب عليها استنادا إلى دور حزب الله في القتال في دول عربية أخرى.

* "إغراءات الهيمنة" لدى إيران

لفرنسا تاريخ طويل من الروابط التجارية والسياسية والاجتماعية مع إيران حتى أن آية الله روح الله الخميني عاش في منفاه قرب باريس في عام 1979 ومع ذلك يقال إنها كانت أكثر القوى العالمية الست تشددا في التفاوض على الاتفاق النووي الموقع عام 2015.

وفي عهد الرئيسين ساركوزي وفرانسوا أولوند انحاز الأول لقطر والثاني للسعودية وحدث تحول تمثل في التشدد مع طهران.

ومنذ الاتفاق سارعت باريس إلى إعادة العلاقات التجارية وتم توقيع صفقات مع شركة ايرباص لصناعة الطائرات وشركة توتال (PA:TOTF) عملاق صناعة النفط وشركتي بيجو ورينو للسيارات. وأزعج هذا التقارب الرياض التي سعت لتوثيق علاقاتها مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب.

وقال دبلوماسي فرنسي طلب عدم نشر اسمه "اضطررنا إلى طمأنة السعوديين ... وموازنة الأمور. الأمير سلمان انطلق بسرعة كبيرة وهذا خطر على الجميع ولذلك فهو يحتاج لبعض الود من جانبنا".

وتشعر طهران الآن بالانزعاج لتحسن العلاقات الفرنسية مع السعودية وكذلك لما يبدو من علاقة طيبة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المقرر أن يصل إلى باريس في العاشر من ديسمبر كانون الأول للمرة الثانية منذ تولي ماكرون منصبه في مايو أيار.

وعكست التصريحات الأخيرة تلك التوترات.

وفي مؤتمر صحفي يوم الجمعة قال ماكرون إن على إيران أن توضح ما يجري في برنامجها الصاروخي الذي "يبدو أنه يسير بلا ضوابط". وجاء ذلك في أعقاب مؤتمر صحفي في الرياض يوم الخميس ندد فيه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان "بإغراءات الهيمنة" لدى إيران.

ويوم السبت نصح علي أكبر ولايتي أحد كبار مستشاري الزعيم الإيراني الأعلى ماكرون بألا يتدخل في الشؤون الإيرانية.

وقد أجل لو دريان زيارة مزمعة إلى طهران وخفت الحديث عن احتمال قيام ماكرون بزيارة إيران العام المقبل.

وقال دبلوماسي فرنسي ثان "الحديث مع كل الأطراف (مسعى) نبيل لكن هذه السياسة في المنطقة ستتهاوى إذا لم يتوجه لو دريان وماكرون إلى طهران. فمصداقيتنا تتوقف على ذلك".

وقد انتقد بعض الساسة المتشددين في إيران الرئيس حسن روحاني لمحاولة تقوية العلاقات مع باريس قائلين إن الأوروبيين لن يعرضوا مصالحهم للخطر في مواجهة الضغط الأمريكي.

وقال مسؤول إيراني كبير إن سياسة التوازن التي يتبعها ماكرون تبث إشارات متباينة.

وقال المسؤول "هو يتحدث عن الحد من النشاط الصاروخي الدفاعي الإيراني وينتقد سياسة إيران الإقليمية وبعد ذلك يريد توثيق العلاقات؟"

وأضاف "على فرنسا أن تعلن بوضوح إلى أي جانب تقف ... نحن نود توسيع علاقاتنا لكن باريس تبث إشارات متباينة ولا يمكن الوثوق بها".