لا شك أن اضطراب أداء المؤشر العام للبورصة المصرية EGX30 في الفترة الأخيرة له ما يبرره في ظل حالة التناقض الشديدة التي تخيم على أداء البورصة المصرية في الأسابيع المنصرمة.
حيث إن الأزمة الاقتصادية الطاحنة والتي من المفترض أن تؤثر سلباً على سوق الأوراق المالية، نجد أنها هي بحد ذاتها الوقود الذي يدفع السوق المصري للارتفاع وتحقيق قمم تاريخية جديدة، والمحافظة على الاتجاه الصاعد للسوق خلال العامين المنصرمين، حيث تحولت الأسهم المصرية من كونها أداة من أدوات الاستثمار إلى أداة من أدوات التحوط، وأحد الملاذات الآمنة بجانب الذهب والعملات الأجنبية التي يلجأ إليها الأفراد فارين من التضخم الذي أحرق مدخرات المصريين وتحول إلى نمر غير مروض في حديقة الاقتصاد المصري، مما أدى إلى تشوهات في السوق أبرزها من جهة نظري هي (التأثير السلبي للأخبار الإيجابية المتعلقة بالاقتصاد الكلي المصري على البورصة المصرية).
فلا شك أن خبر لا غبار عليه إيجابيته مثل صفقة رأس الحكمة التي ستؤدي إلى ضخ 35 مليار دولار في الاقتصاد المصري الذي يعاني من أزمة دولارية طاحنة، كان جديراً بأن يؤدي إلى تحقيق قمة جديدة وكسر مستوى 30 ألف نقطة لمؤشر EGX30 والثبات أعلاه بقوة، الا أن ذلك لم يحدث، بل شرع السوق في مرحلة تصحيح وهبوط من مستويات 29700 إلى مستويات 27100 وسط ذهول المراقبين.
والتأثير العكسي للأخبار الإيجابية يعني أن يؤدي ظهور الخبر الإيجابي إلى هبوط السوق، وهو أمر يحدث بشكل طبيعي في ظروف السوق الاعتيادية عندما يكون الخبر متداولاً منذ فترة في السوق وبمجرد الإعلان عنه تحدث عمليات جني الأرباح لأن الخبر يكون متوقعاً منذ فترة في السوق ومستوعباً تماماً من قبل المتداولين، ومن هنا جاءت مقولة (اشتري على الشائعة وبع على الخبر).
ولكن لا شك أن صفقة رأس الحكمة لم تكن متوقعة بأي حال من الأحوال في السوق، بل جاءت بشكل مفاجئ حتى لكثير من الاقتصاديين بل وبعض صناع القرار وصناع الرأي العام في مصر........ فما الذي حدث؟
الحقيقة أن التأثير المعكوس للأخبار على البورصة المصرية نتيجةً لأن الوضع برمته معكوس ومقلوب رأساً على عقب نتيجةً للتضخم السرطاني المهيمن على الاقتصاد المصري منذ فترة.
فالوضع الطبيعي أن صعود البورصة في أي دولة يكون انعكاسًا لاقتصاد قوي ناتج عن ارتفاع في معدلات النمو وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، مما يعني ارتفاع أرباح الشركات والتي تترجم في النهاية إلى ارتفاع أسهمها فترتفع البورصة محققة أرباحًا حقيقية.
أما الارتفاع في البورصة الناتج عن التضخم فهو للأسف الشديد ارتفاعًا وهميًا حيث ترتفع الأسهم فقط نتيجة انخفاض العملة المحلية بل إنه باحتساب تكلفة الفرصة البديلة والتي قد تكون شراء ذهب أو عملات أجنبية أو حتى سيارة جديدة فلربما أمسى المستثمر المصري بعد سنتين من الاتجاه الصاعد القوي من الخاسرين.
لذلك لابد من التعامل مع السوق المصري خلال المرحلة القادمة وفقاً لهذه المعادلة:
(خبر سلبي = اقتصاد أضعف = استمرار للتضخم = الحاجة إلى التحوط من انخفاض الجنيه = ارتفاع السلع / الأسهم / الذهب / العملات ...الخ)
خبر إيجابي = اقتصاد يتعافى = سيطرة على التضخم = لا حاجة إلى التحوط من انخفاض الجنيه = هبوط الأسهم / الذهب / العملات ...الخ
ووفقاً للأخبار الإيجابية التي يسوق لها الآن الإعلام المصري، والتي ربما تكون صفقة رأس الحكمة هي أول الغيث في سياسة بيع أصول الدولة التي سينتهجها الاقتصاد المصري خلال المرحلة القادمة، والتي لن تعدوا أن تكون بضعة أقراص مسكنة لمريض طريح الفراش يحتاج إلى علاجات طويلة الأجل لمشاكل مزمنة مثل عجز الميزان التجاري وضعف الاستثمار المباشر وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي، والتي تؤدي بالضرورة إلى عرض خطير يُسمى التضخم فلا شك أن المعادلة المعكوسة سالفة البيان ستظل صالحة حتى إشعار آخر.
وعليه فإذا ما أخذنا هذه المعادلة معنا إلى الرسم البياني لمؤشر EGX30 فإنه سيؤدي بالضرورة مع تواتر الأخبار الإيجابية إلى تصحيح وهبوط ربما إلى مستويات 26700 مرة أخرى، ومن هناك ربما نرى تماسكًا ومن ثم معاودة الصعود، مع احتمالية كسر هذا المستوى لأسفل ومن ثم يكون هدف الثاني الجنوبي للمؤشر نحو مستويات 24500 نقطة والذي من وجهة نظري سيكون أقصى تأثير للأخبار الإيجابية المتداولة في السوق في الوقت الراهن قبل معاودة الصعود مرة أخرى بدوافع التضخم السالف بيانه وكسر مستويات 30000 نقطة وتحقيق قمة جديدة ربما نحو مستويات 34000 نقطة.
سيناريوهات الحركة المتوقعة على المدى المتوسط كما بالرسم البياني.
والله ولي التوفيق
حكيم سلماني
CETA.CFTe