الابتكار أصبحت كلمة طنانة في عالم الأعمال لن تختفي في المستقبل، وقد حضرتُ العديد من اجتماعات التخطيط “للعام المقبل”، ورأيتُ هذه الكلمة ملصقة على العروض التقديمية كأولوية في العام المقبل.
وتتحدث العديد من الشركات ، كثيرا عن استخدام الابتكار لتعزيز النمو التجاري. ولكن ما تخطئ فيه كثير من هذه الاستراتيجيات، هو تجاهل تعزيز ثقافة الابتكار الحقيقية بين موظفيها وخلق شهية بين الموظفين لأن يصبحوا رواد أعمال موظفين “انترابيرينيرز” (أي لديهم الحرية والدعم المالي للابتكار وخلق منتج أو خدمة أو نظام جدد وعادة لا يتبعون الروتين السائد في الشركة ويتمتعون بصفات رواد الأعمال).
ويعرف رائد الأعمال الموظف، بأنه الشخص داخل المؤسسة الذي يأخذ على عاتقه تحويل فكرة ما إلى منتج نهائي مربح عبر المجازفة والابتكار، وكلمة “انترابيرينير” شكّلها الاقتصادي جيفورد بنشوت الثالث في عام 1978، أي الحالم الذي يتخيل كيفية تحويل فكرة إلى واقع مربح.
ثم شاعت الكلمة مجددا، عندما استخدمها ستيف جوبز في مقال له عام 1985 والذي قال فيه، إن فريق ماكنتوش، “كان بمثابة ما يعرف بالانترابيرنيرز”، أي مجموعة من الأشخاص يقومون بعملهم في جراج، ولكن في الجوهر يشعرون أنهم في شركة كبيرة”.
ويكون الهدف الأساسى لرائد الأعمال الموظف، هو خلق شيء جديد غير موجود، ويكون لديهم الكثير من خصال رواد الأعمال الناجحين، فهم يفكرون خارج الصندوق ويحلون المشكلات ويولدون أفكاراً تأخذ في حسبانها المخاطر عندما يتعاملون مع التحديات التجارية.
والحقيقة أن الشركات الضخمة تناضل عادة لخلق ثقافة ابتكارية حقيقية، وقد تتوفر لديهم الموارد ولكن ينقصهم المرونة. وإذا ذهبت إلى عملك وقلت لمديرك: “مرحباً أنا لدى فكرة، ما رأيك؟”، فعلى الأرجح حتى وإن كانت فكرة عبقرية فإنك (ومديرك) لن تتمكنوا من الحصول على الموافقات المطلوبة واختبارها سريعا ثم تنفيذها.
ولكى تنجح في عالم الأعمال سريع الوتيرة اليوم، والذي تشكله شركات منها “شركة نيتفليكس (NASDAQ:NFLX)” و”آيربي إن بي”، تشعر الشركات القديمة بالضغط أكثر من أي وقت مضى للاستثمار في تطوير منتجات وخدمات جديدة عبر التكنولوجيا والإبداع.
وشهدت الأعوام الـ5 الماضية، ظهور العلامات التجارية في مجال التكنولوجيا المالية منها “مونزو” و”ريفولت” اللتان ابتكرتا منتجات هزت قطاع الصيرفة، وأجبرت البنوك الراسخة على مسايرتها أو تقديم خدمات أفضل، كما شهدت صناعة التجميل موجة من الاضطرابات في السنوات القليلة الماضية مع ظهور علامات منها “فينتي بيوتي” و”جلوسيار”.
وعام 2018، أعلنت شركة “إستي لودر” للتجميل، عن “مركز تكنولوجي” لبحث طرق تكنولوجية تجعلها تظل تنافسية، وأطلقت لوريال (PA:OREP) العام الحالي منحة رائد الأعمال الموظف وتقدم للطلاب فرصة تنفيذ أفكارهم على أرض الواقع.
ولهذا أرى أن رواد الأعمال الموظفين سيكون الاتجاه الكبير القادم في مجال الابتكار فى الشركات، وسيصبح مكوناً حيوياً في مستقبل أى مكان عمل لديه الطموح لخلق قيمة مثالية لعملائه بخلاف المنتجات والخدمات التقليدية.
وتحاول الشركات الكبيرة تمكين موظفيها من الإبداع والابتكار مع مبادرات مثل أقسام البحث والتطوير المخصصة والحاضنات الداخلية التى تسمح للموظفين بالعمل على مشروعات يحبونها خلال ساعات العمل وفي المناسبات الخاصة. وتستضيف وكالة التصوير “شاترستوك”، على مدار 24 ساعة ملتقى يسمح للموظفين بملاحقة الأفكار التي تفيد الشركة.
وأصبح رواد الأعمال بمثابة نجوم الروك في عالم الأعمال. ويكمن الخطر في أن كثيرين أصبحوا ينظرون إلى ريادة الاعمال على انها الطريقة الوحيدة لإحداث تأثير كبير، ولكن لا يستطيع الجميع أو ينبغي لهم أن يكونوا رواد أعمال، ولكنك لن تخمن ذلك بسبب كمية المقالات الهائلة التي تشجعك على ترك وظيفتك ذات الدوام الثابت من 9 صباحاً إلى 5 مساءً وتلاحق فكرتك.
وبالنسبة لهؤلاء الذين لايرغبون في تحمل مخاطر إطلاق مشروعاتهم بأنفسهم، تقدم لهم ريادة الأعمال داخل الشركة منفذ بديل للإبداع، ولكن مع استقرار المسار المهني التقليدي داخل الشركة.
وتوجد الآن 5 أجيال في سوق العمل، والجيل الأحدث هو المولود بعد أواخر التسعينيات، ويقدم هذا الجيل مجالاً غير مسبوقاً للإبداع والتفكير التخيلي ولكن تحتاج الشركات أولاً لخلق بيئة أعمل تعزز التعاون وتعطي الموظفين الأدوات اللازمة لتحويل الأفكار العظيمة إلى منتجات.
وستخسر أماكن العمل المتمسكة بالثقافة القوية المتمثلة فى “هذه هي الطريقة التي نقوم بها دوما بالأشياء”، في سباق المواهب، وأصبح عدداً متزايداً من توصيفات الوظائف تتطلع لموظفين ذوي مهارات ريادية.
وستتخلف الشركات التي تصبح راضية عن أدائها وتفشل في خلق ثقافات حيث يكون الموظفين مبدعين، وربما أيضا تخرج من المجال، ولا تتعلق فوائد المشروعات الريادية داخل الشركة بأرباح الشركات فحسب، وإنما تولد الطاقة والفرص للأشخاص، لكي يخرجوا من منطقتهم المريحة والعمل على جبهات التغيير.
بقلم: إليزابيث أوفيبين، كاتبة أمريكية، واستراتيجية علامات تجارية وكاتبة مقالات رأي في صحيفة “فاينانشال تايمز”
أعده للبورصة: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة “فاينانشال تايمز”.